صدر عن المركز العدد السادس عشر من مجلة رواق التاريخ والتراث، الأكاديمية العلمية المحكمة، وجاء في افتتاحيته أن بحوث هذا العدد تتنوع ما بين التاريخ والتراث والآثار.
يستهل العدد ببحث عن مؤرخ عثماني غير معروف في العالم العربي بصورة كافية، فيُعرف الدكتور سهيل صابان في بحثه "أحمد جودت باشا مؤرخًا رسميًا للدولة العثمانية"؛ به ومؤلفاته ومكانته العلمية، وخاصة في علم التاريخ، وتوضيح مدى التوافق بين تاريخه ووثائق الأرشيف العثماني. وينطلق من التعريف بالمؤرخين الرسميين للدولة العثمانية، وشروط تعيينهم منذ عهد السلطان سليمان القانوني (1520-1566)، وحتى انتهاء الدولة العثمانية في عام 1924، ثم يُعرف بأحمد جودت باشا، المؤرخ الرسمي للدولة العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ويسرد مؤلفاته، ويفصل منهجه في كتابه، الذي يتناول أحداث الدولة العثمانية منذ كوجوك قايننارجه في عام 1188هـ/ 1774م، وحتى حادثة إلغاء الإنكشارية في عام 1241هـ/1826م.
ويوضح الدكتور محمد حمزة الحداد في بحثه "كتب التراجم والطبقات والسير كمصدر لدراسة الآثار الإسلامية" أهم هذه الكتب عبر الفترات التاريخية، ويبرز أهميتها في هذا الشأن لما لها من دور بارز يغفل عنه الكثيرون، إذ تغطي هذه المصادر كافة مراحل التاريخ الإسلامي بما يشكل سلسلة منتظمة متصلة الحلقات يكمل بعضها الآخر، وذلك تطبيقًا على أهم مجالات الآثار الإسلامية، التي أضافت لها هذه المصادر جديدًا لا تكتمل صورته إلا من خلالها، مثل مجال الفنون والصناعات، ومجال العمارة الإسلامية، إذ كشفت هذه المصادر لمعلومات مهمة في باب النقوش الأثرية والإضافات المعمارية، وأسماء بعض المهندسين والخطاطين وغير ذلك.
وتسلط الدكتورة مها الشعار في بحثها المعنون "تقنية استخدام الخشب في العمارة التراثية الحلبية"، الضوء على ما اكتشفه المعماريين المرممين للمباني المعمارية لإسلامية الحلبية من تقنية هندسية خفية كانت متبعة في استعمال المعماري الحلبي للخشب. وتشير إلى أن مدينة حلب قد تميزت بغناها بالمباني المعمارية الإسلامية الدينية والحكومية والدفاعية والخيرية وغيرها، ما دفع منظمة المؤتمر الإسلامي لاختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2006، ولأن بعضها عانى من الأضرار، فقد قام بعض المعماريين بمحاولة لترميمه، فاكتشفوا تقنيات هندسية خفية، كانت متبعة في استعمال المعماري الحلبي للخشب؛ ما جعل عمارة المدينة تتميز بالديمومة والصمود. ويستعرض البحث بعض هذه التقنيات المميزة للتراث المعماري الإسلامي في مدينة حلب لإظهار البراعة المعمارية فيها.
ويبيّن الدكتور علي السيد في بحثه "الآخر المسيحي في كتابات الرحالة المسلمين.. أبو بكر الهروي نموذجًا" دور أحد الرحالة المسلمين في الوعي بالأخر المسيحي إبان فترة الحروب الصليبية بالشام، ويقصد بالأخر المسيحي كل من ألتقي بهم الرحالة من صلبيي الشرق، واللاتين الكاثوليك، ومسيحي صقلية، وقادة بيزنطة الأرثوذكس. ويشير إلى أن الرحالة الهروي اهتم بزيارة الأضرحة والأبنية والمدن الخاضعة للسلطة الإسلامية والصليبية في بلاد الشام، وصقلية وبيزنطة، فسبر أغوار مواطن الصليبين في طبرية والناصرة ونابلس، كما اهتم بزيارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى في بيت المقدس، موضحًا التبديلات والإضافات التي أحدثها الصليبيون. كما زار أهم كنائسها ومزاراتها، كما زار الحرم الإبراهيمي في الخليل، وتقصي خبر اكتشاف مقابر الأنبياء بها، وزار مقدسات بيزنطة. ودلل الهروي أنه واعيًا بالآخر المسيحي، فأخذ برواياته، كما استشهد بالعهدين القديم والجديد كمصدر تاريخي، وأبدى الاحترام للآخر، فلم يقلل من شأنهم، أو شأن دينهم، أو معتقداتهم.
وفي البحث باللغة الإنجليزية المعنون "البريد المصري.. رحلة التحول الاستراتيجي نحو منصة الخدمات الحكومية المتكاملة" يوضح كلٌ من الدكتور زوتان برانتنير والدكتور عبد الله عبد العاطي النجار رحلة تطور البريد المصري منذ العصر الفرعوني، والتركيز على الفترة (1865-2023)، وخاصة فترة التحول إلى منصة حكومية متكاملة منذ عام 2006. موضحًا أن النظام البريدي المصري، والذي يُصنف كأحد أقدم شبكات الاتصال المنظمة في العالم، يُعد مرآةً تعكس التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في مصر عبر تاريخها الممتد. فمنذ العصر الفرعوني، الذي اعتمد على شبكة من الرسل لتيسير التواصل، وحتى الأنظمة البريدية المعاصرة، يجسد تاريخ البريد المصري قدرة على التكيف والابتكار. وتتجاوز أهمية هذا التطور الجانب التقني لتشمل التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي أحدثتها الخدمة البريدية في المجتمع المصري، حيث مثّل النظام البريدي ركيزة أساسية للاتصالات والتجارة والخدمات الرقمية. ويركز البحث بشكل خاص على مرحلتين رئيسيتين: فترة التحديات المؤسسية والمشكلات الصعبة التي عانى منها (1990–2006)، وفترة التحول إلى منصة حكومية متكاملة (2006–2023)، مع تقييم تطور متحف البريد المصري وأبرز التحديات الراهنة التي يواجهها.